المرأة في الحركة الاسلامية
الحركة الإسلامية بالقياس لحال الواقع هي حالة متطورة ومتقدمة، لما تحمله من مشروع في الإصلاح وتغيير هذا الواقع، وبهذه القاعدة فإن الحركة الإسلامية كأطروحة في التغيير تمثل عامل إنهاض المرأة في واقعنا العربي الإسلامي.
وقد ساهمت الحركة الإسلامية ولو بنسبة ضئيلة في النهوض بالمرأة، حيث أولتها الاهتمام، وإن لم يكن بمستوى الطموح.
وعن وضع المرأة في الحركة الإسلامية تقول الدكتورة (منى يكن): (لقد اهتمت الحركة الإسلامية بالمرأة، وكان للأخوات نصيبهن من العمل والنشاط، ولكن يجب أن نعترف بأن القسم النسائي لم يبلغ المستوى الذي ينبغي أن يصل إليه، بالرغم من انتشار الدعوة في صف النساء ولا سيّما الطالبات).
وفي نظر الأستاذ (بشير موسى): (يعاني الإسلاميون في معظم أنحاء الوطن الإسلامي من فقر هائل في مشاركة المرأة المسلمة في النشاط العام، وفي تحمل المهام والمسؤوليات الملقاة على أكتاف الحركة الإسلامية المعاصرة).
ويصف الشيخ (محمد الغزالي)واقع المرأة اليوم فيقول: (المرأة عندنا، ليس لها دور ثقافي ولا سياسي، ولا دخل لها في برامج التربية، ولا في نظم المجتمع، ولا مكان لها في صفوف المساجد ولا ميادين الجهاد).
أما لماذا هذا الضعف في الحركة الإسلامية في جانب المرأة؟
يعلل الدكتور (القرضاوي) هذا الضعف بغياب القيادات النسائية، فيقول: (إن العمل الإسلامي النسوي إنما ينجح ويثبت وجوده في الساحة يوم يفرز زعامات نسائية إسلامية، في ميادين الدعوة والفكر، والعلم، والأدب، والتربية).
وعن غياب هذه الزعامات تقول السيدة (مهجة قحف): (إن عدم وجود أعداد كافية من النساء المؤهلات، هو أنه يحال بين النساء، وبين اكتسابهن لبعض المهارات اللازمة للعمل السياسي. أعطوا النساء بعض التشجيع، وأفسحوا أمامهن بعض المنافذ ـ كما هو الأمر بالنسبة للرجال ـ عندها سيتخرج نسوة ذوات أهلية).
ويتصور البعض: (أن المسألة ذات علاقة بالأصول الاجتماعية والثقافية لأبناء الحركة الإسلامية أنفسهم الذين ينحدرون في معظمهن من الطبقات الفقيرة والمتوسطة، حيث ما يزال دور المرأة محدوداً وثانوياً وتابعاً في معظم الأحوال).
وأما الدكتورة (منى يكن) فتعتقد بأن السبب هو هيمنة الرجل فتقول: (لقد هيمن الرجل على الكثير من المواقع والقيادات التي كان من الممكن أن تبدع فيها المرأة) وتؤكد كلامها بشهادة من الدكتور (القرضاوي) حيث يرى أن: (مشكلة العمل الإسلامي النسوي، أن الرجال هم الذين يقودونه، ويوجهونه، ويحرصون على أن يظل زمامه بأيديهم، فلا يدعون فرصة للزهرات أن تتفتح، ولا للقيادات أن تبرز، لأنهم يفرضون أنفسهم فرضاً، حتى على الاجتماعات النسوية، مستغلين حياء الفتيات المسلمات الملتزمات، فيكتمون أنفاسهن ولا يتيحون لهن قيادة أمورهن بأنفسهن، فتبرز منهن مواهب يفرزها العمل، وتصهرها الحركة، وتنضجها التجربة والكفاح، وتتعلم من مدرسة الحياة والممارسة بما فيها من خطأ وصواب).
ومع اعتقاد الدكتورة (منى يكن) بهيمنة الرجل إلا أنها تبرر موقف المرأة التي تتحمل جزءاً من المسؤولية حيث تضيف: (إن الأخوات لا يعفين من بعض التبعة، فقد استسلم معظمهن للوضع الحالي، ورضين بحياة الدعة والسكون، وأن يفكر لهن الرجال بدل أن يفكرن لأنفسهن. لا شك أن المرأة تربت ونشأت على تلك الصفات السلبية الناتجة عن وضع المجتمع العام، فحملت معها بذور تلك التربية التي تحدد لها المكان والدور وتعزلها عن الكثير من الأمور المتعلقة بها كإنسانة لها حقوق في أن تشعر وتشارك وتتحمل تكاليف دعوتها ودينها).
والحقيقة أن هذا الضعف من الصعب تفكيكه، فهذه الأسباب لا يمكن فصل بعضها عن بعض، فهي متفاعلة ومتداخلة، يضاف إليها أسباب أخرى سوف نأتي على ذكرها لاحقاً..
وما هو جدير بالإشارة أن هذا الضعف في جانب المرأة لا يقتصر على الحركة الإسلامية، بل هو يشمل واقع المرأة في مختلف القطاعات والمؤسسات وحتى الدول والمجتمعات. وقد جاء في تقرير للأمم المتحدة لعام 1985 حول وضع المرأة في العالم، حيث يكشف هذا التقرير إلى أن وضع المرأة في العالم لا يزال يعاني من ضعف، وإن مستويات التقدم لا زالت متواضعة.
وما نخلص إليه أن واقع المرأة في الحركة الإسلامية ـ كحالة توصيفية ـ يعاني من ضعف، وأن مستويات النمو والتقدم والمشاركة لا زالت بطيئة ومتواضعة.
نقد المرأة لواقعها في الحركة الإسلامية
إن وجود النقد من المرأة لواقعها، ولحركتها الاجتماعية، ومشاركتها في الوظائف العامة، خطوة ضرورية في سبيل إنهاض وإنماء وتفعيل واقع المرأة، ونحن نعلم أن الأصوات التي تتبنى النقد في داخل الحركة الإسلامية هي كثيرة، ولكن من يعلن عن هذا النقد هن فئة قليلة من الحركيات.
والتوثيق العلمي لنقد المرأة لواقعها في الحركة الإسلامية، لابد أن نرجع فيه إلى رأي المرأة ذاتها.. وهنا تنقصنا الأسماء التي يمكن أن نرجع إليها في هذا الجانب.. وسوف نكتفي بأسماء تكررت في هذه الدراسة.
•• من جوانب هذا النقد:
أولاً: غياب المرأة عن مركز القرار:
في أغلب الحركات الإسلامية تعاني المرأة من الغياب عن مركز القرار والمشاركة في صنعه.. وهذا الغياب لا يمكن تحليله لوجود موقف من المرأة في هذا الجماعات، بل قد يرجع إلى أسباب ذاتية على علاقة بمؤهلات المرأة وقدراتها السياسية والحركية والاجتماعية.
ونحن إنما ننطلق من قاعدة توصيفية نبني عليها تحليلات نفترض فيها أكثر من سبب، ونعطي فيها أكثر من وجهة نظر.
وغياب المرأة عن مراكز القرار في الحركة الإسلامية هو المشكلة الأهم في نظر الدكتورة (منى يكن) حيث تقول: (إن المشكلة الأهم كما أراها هي أن الحركة الإسلامية لم تشرك المرأة في صنع القرار).
وتشرح ذلك من واقع تجربة حركة الإخوان المسلمين في مصر، السيدة (مهجة قحف) حيث تقول: (عندما تصل إلى مؤسسات صياغة القرار الحقيقية لمجلس الشورى، أو مكتب الإرشاد، أو المكتب التنفيذي، فإن عضويتها تقتصر على الرجال. والرجال هم الذين يضعون السياسات العامة للرجال والنساء معاً. وفي بعض الحالات فإن الرجال يضعون حتى برامج أسر النساء على المستويات الدنيا. ولا شك أن هذا غريب لأن حركة الأخوات المسلمات في مصر، قد شكلت كجماعة مستقلة من قبل (زينب الغزالي) وغيرها قبل أن تنضم إلى جماعة (حسن البنا) فقسم النساء في جماعة الإخوان لا يمثل النصف، بقدر ما هو جزء إضافي صغير يسمح له بمعالجة ما يسمى بقضايا النساء. والنساء حالياً ليس لهن صوت في مراكز صنع القرار. ونفس التركيب التنظيمي يتواجد في الجماعة الإسلامية في باكستان، وفي أغلب الجماعات الإسلامية).
ولذلك فإن السيدة (مهجة قحف) تطالب بإصلاحات تنظيمية في هذه الجماعات الإسلامية بحيث تشارك المرأة في المراكز القيادية، وفي نصع القرار، ورسم السياسات العامة..
ثانياً: هيمنة الرجال على النساء
وهذه الإشكالية هي نتيجة منطقية لغياب المرأة عن مراكز القرار في الجماعات الإسلامية، وسبق أن شرحنا هذه النقطة ولا داعي للتكرار.
والحذر من هذه الإشكالية حين تتحول إلى معوق من معوقات تطور المرأة ذاتياً، وتقدمه حركياً واجتماعياً.. لأن كل أشكال السيطرة والهيمنة تساهم بدرجة معينة في تعطيل الانطلاق والنهوض..
وإذا كان من تحول ننتظره في هذا الجانب، فهو أن ترفع المرأة عن نفسها هيمنة الرجل عليها في مؤسسات الحركة الإسلامية، وميادين العمل الإسلامي، وعلى الرجل أن يساعد امرأة في إسقاط هذه الهيمنة، حتى تعتمد المرأة على نفسها وتنطلق.
والمرأة إنما ترفع عن نفسها هذه الهيمنة، بتطوير ذاتها، وتنمية مواهبها، ورفع مستوياتها العلمية وقدراتها الإدارية.. لا أن تكتفي بمجرد المطالبة تحت عناوين حقوق المرأة.
كما لا يصح على الإطلاق أن يكون وضع المرأة داخل الحركة الإسلامية، كوضعها في داخل المجتمع، لأنه كما افترضنا أن الحركة الإسلامية حالة متطورة على المجتمع، وتحمل مشروع النهوض به.
ثالثاً: نقد حصر اهتمامات المرأة بقضايا المرأة
لا خلاف في أولوية قضايا المرأة في اهتمامات المرأة ذاتها، لكن أن ينحصر كل هذا الاهتمام في هذا الجانب، فهذا هو مورد النقد والنظر.
وعن هذا النقد تقول الدكتورة (منى يكن): (فإني أنكر حصر اهتمامات المرأة المسلمة الحركية والفكرية والدعوية بقضايا المرأة ليس إلا. لأنه بذلك تعطل جوانب عديدة من كيانها الإنساني، ونحرمها من حق المشاركة في قضايا الأمة المصيرية التي يحاول احتكارها الرجال، فهل من حق الرجل أن يقف حائلاً بين المرأة وبين عطائها الإسلامي؟ وهل يجوز له أن يحصر العمل للإسلام على شخصه فقط ويحرمه على المرأة).
ومن دلائل هذا الحصر ما تحدث به الأستاذ (خليل أحمد الحامدي) الذي كان قبل وفاته من قيادات الجماعة الإسلامية في باكستان في حديثه عن التعريف بالجماعة الإسلامية في باكستان، فعن قسم المرأة داخل الجماعة يقول: (إن نشاط السيدات المسلمات يتلخص في تنظيم اللقاءات الأسبوعية، وإلقاء الدروس والمحاضرات التي تحضرها النساء من مختلف الأعمار، وتعليم القرآن الكريم للبنات والسيدات قراءةً وتفسيراً، وتعليم اللغة العربية، وإقامة مراكز الرعاية للفتيات الفقيرات، ودفع نفقات زواجهن، والعناية بالأطفال، وتربيتهم تربية إسلامية. ويصدر قسم السيدات المعلمات مجلتين شهريتين، مجلة (بتول) وهي خاصة بالسيدات، ومجلة (نور) وهي خاصة بالأطفال).
وفي داخل الخطاب الإسلامي هناك جدليات الإطلاق والتقييد في مسؤوليات ومهام المرأة الحركية والاجتماعية والسياسية، فهناك من يوسع الإطلاق، وهناك من يضيق التقييد، وهناك من يأخذ بالدليل الأولي، وهناك من يأخذ بالدليل الثانوي، وهناك من صنفهم الشيخ (محمد الغزالي) بأهل الفقه إلى جانب أهل الحديث.. وهكذا.
وما نلحظه في تحولات الخطاب الإسلامي المعاصر أنه يقترب من توسعة مسؤوليات المرأة مع التمسك بحدود معينة من التقييد، لارتفاع بعض المحاذير التي كانت تشكل قاعدة الدليل الثانوي..
وفي نظر الكثيرين الذين راقبوا التجربة الإسلامية في إيران، أن هذه التجربة فتحت آفاقاً واسعة لمشاركة المرأة في مختلف الميادين ومرافق الحياة العامة. وقد جاء في البيان الذي تشاور عليه نحو مائة وخمسين شخصاً من المثقفين وأهل الفكر في مصر، والذي حمل في وقته عنوان (نحو تيار إسلامي جديد): (إن مشاركة المرأة للرجال في أنشطة الحياة المختلفة في المجتمع، أمر لابد منه لأداء مهمتها في الحياة. والإسلام لا يضع الرجال والنساء موضع الحرج ولا يوجب عليهم التأثم من هذه المشاركة، وإنما يسبغ عليهم آدابه الشرعية كما أسبعها على سائر ميادين النشاط والحركة الاجتماعية).
رابعاً: ضعف الرعاية بتأهيل المرأة
إن الضعف الحقيقي الذي تعاني منه المرأة في الحركة الإسلامية هو في حقيقته ضعف في التأهيل. والذي هو مصدر الفاعلية والحركة. وهذا من الأسباب الجوهرية لغياب المرأة عن مراكز القرار، ولهيمنة الرجال على النساء، وحصر اهتمامات المرأة في حدود قضاياها الخاصة.
وفي نظر المرأة أنها لم تتلق الرعاية المطلوبة من التأهيل داخل الحركة الإسلامية كما هو حال الرجل، وعن ذلك تقول السيدة (مهجة قحف): (هناك سبب لعدم وجود أعداد كافية من النساء المؤهلات، وهو أنه يحال بين النساء وبين اكتسابهن لبعض المهارات اللازمة للعمل السياسي! أعطوا النساء بعض التشجيع وأفسحوا أمامهن بعض المنافذ ـ كما هو الأمر بالنسبة للرجال ـ عندها سيتخرج نسوة ذوات أهلية).
والتصور السائد في الحركة الإسلامية المعمول به واقعياً، والذي من الصعب التصريح به، أن الحركة الإسلامية في الدرجة الأولى هي للرجال، وللنساء في الدرجة الثانية، ولضرورات خاصة.
كما أن عزل المرأة عن عالم الرجال في الحركة الإسلامية ساهم في إضعاف تأهيلها. فقد عزلت حتى في الندوات والمؤتمرات الثقافية والفكرية، وكنت شاهداً على واحد منها، ففي ديسمبر 1993م، حضرت مؤتمر (رابطة الشباب المسلم العربي) في أمريكا، والذي عقد في مدينة (ديترويت) بولاية (ميشغان) وفي هذا المؤتمر وقف الدكتور (يوسف القرضاوي) معترضاً على فصل المرأة عن برامج الرجال، واعتبر ذلك فصلاً لها عن المجتمع. يضاف إلى ذلك ضعف البرامج المخصصة لتأهيل المرأة، ومحدودية الجهود المبذولة لهذا الغرض.
مع كل هذه الحقائق يبقى أن المرأة هي المسؤولة أولاً عن تأهيل ذاتها، وعن هذا الضعف الذي تشتكي منه ي داخل الحركة الإسلامية.